يُعبّر العمل التطوعي عن إحساس عالٍ بالمسؤولية من الأفراد تجاه محيطهم الاجتماعي وتجاه الإنسانية بشكلٍ عام، وهو يدلل على المقدار الذي يمكن للإنسان أن يحدثه من أثر إيجابي في حياة الآخرين، من دون انتظار أي مقابل مادي أو معنوي من عمله، ولعل التطوع من أقدم الأفعال الإنسانية التي تعبر عن تعاطف الإنسان مع أخيه الإنسان، وعن قدرة المجتمعات على ابتكار أساليب المساعدة لمن يحتاج إليها .
ويشهد العمل التطوعي على مستوى العالم المزيد من التطور والنضوج في الأساليب والمنهجيات بشكلٍ مستمر مع ظهور لمنهجيات التشبيك في العمل على المستويات فوق الوطنية، إلى حدٍ بتنا نشهد العديد من الهيئات العالمية التطوعية التي تمارس عملها في مختلف بقاع العالم . وعلى صعيد دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن العمل التطوعي يعد جزءاً من النسيج الثقافي والاجتماعي الذي قامت عليه الدولة، فالتطوع عملٌ شائع في المجتمع الإماراتي قبل تأسيس الدولة، واكتسب هذا العمل بعد قيام الدولة اهتماماً رسمياً كبيراً على مستوى القيادة وعلى مختلف المستويات الحكومية والأهلية، وبرزت خلال السنوات الماضية العديد من الهيئات والجمعيات التطوعية .
وتشكّل الجوائز التي خصصت لهذا المجال، كجائزة الشارقة للعمل التطوعي وغيرها من الجوائز، محفزاً لهذا القطاع من أجل المزيد من النمو والتوسع، فالمتطوع وإن كان يقدم على عمله من دون طلب أي مقابل، فإنه يصمم على المزيد من العمل وعندما يشعر بحجم التقدير الذي يقدمه له المجتمع فإنه سيسعى إلى المزيد من البذل والعطاء .
ولعل التجربة الإماراتية في العمل التطوعي تزخر بالعديد من الجوانب التي تستحق تسليط الضوء عليها في أكثر من مقام، ولهذا تسعى هذه الندوة إلى التعريف بالعمل التطوعي الإماراتي، وإلى كيفية تطويره من خلال استعراض المحاور الآتية:
- واقع العمل التطوعي في دولة الإمارات العربية المتحدة .
- أبرز التحديات التي تواجه العمل التطوعي في الإمارات .
- سبل تطوير العمل التطوعي الإماراتي والنهوض به .
عائشة سلطان
أصبح العمل التطوعي في الإمارات وفي الآونة الأخيرة، موضوعاً مطروحاً على مختلف المستويات، لتعزيز ثقافة التطوع باعتبارها أمراً ضرورياً، وهنالك الآن نظرة على مستوى العالم، ترى أن ثقافة التطوع والعمل التطوعي تشكل مقياساً من مقاييس تطور المجتمع ومدى وعيه وتفاعله في مختلف قضاياه، إلى جانب أن العمل التطوعي يعد شكلاً من أشكال المشاركة السياسية بين الفرد وصانع القرار، وأصبحت المجتمعات الأكثر تطوراً هي الأكثر احتفاءً بالعمل التطوعي والأكثر اعتناءً واحتواءً للعمل التطوعي، من جهة عدد الجمعيات والأفراد المتطوعين، والعمل التطوعي هو جهد يبذله إنسان من تلقاء نفسه، من دون أن ينتظر أي مقابل، وهذا يعزز بطبيعة الحال قيماً كثيرة لدى المتطوع والمجتمع أيضاً .
في هذه الندوة سوف نسلط الضوء على العمل التطوعي، من حيث واقعه اليوم في الإمارات، وهل يشكّل ثقافةً متأصلةً في المجتمع؟ إلى جانب حديثنا عن محور التحديات التي تواجه العمل التطوعي، وأخيراً محور تطوير هذا القطاع .
تأسست جمعية متطوعي الإمارات في العام ،1996 وأشهرت عن طريق وزارة الشؤون الاجتماعية، ونُعتبر الأقدم على مستوى الخليج في تأسيس جمعيات تُعنى بالعمل التطوعي، وأقصد هنا جمعيات تحت مظلة الحكومة .
ومن أهداف جمعيتنا نشر ثقافة العمل التطوعي، وقطعنا شوطاً كبيراً في تكريس ثقافة هذا العمل، وحالياً هناك نحو 150 جمعية نفع عام تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، ومعظم هذه الجمعيات تطوعية، وكواقع عمل تطوعي أعتقد أننا قطعنا شوطاً كبيراً، وهناك نحو 1000 متطوع، لكن لا نقول إن جميعهم فاعلون، وهم متنوعون من الذكور والإناث .
شريفة موسى
بالنسبة إلى دور وزارة التربية والتعليم، يمكن القول إنها سعت إلى تعزيز قيم العمل التطوعي في الميدان التربوي وفي نفوس الطلاب والعاملين في هذا الميدان والمجتمع ككل، والوزارة عملت على محورين، الأول يتعلق بالمناهج وغرس قيم العمل التطوعي وتعريف الطلاب بالتطوع وأهميته ودوره، وهذا شيء موجود في المناهج، من مرحلة رياض الأطفال إلى الثانوية، ولا يقتصر ذلك على إعطاء المعلومة، وإنما حث الطالب إلى البحث عن واقع التطوع في دولة الإمارات، والبحث عن أمثلة وأفضل الممارسات الموجودة، سواء داخل الدولة أو خارجها، وتوضيح النماذج المشرقة والموجودة في هذا المجال أيضاً، سواء أكانت نماذج مشرقة لمؤسسات أم أفراد .
أما الجانب الثاني الذي ركزنا عليه، فيستند إلى التخطيط لبرامج وأنشطة وفعاليات تغرس هذه القيم، بحيث يصبح التطوع سلوكاً حضارياً يمارسه الطالب، والآن لدينا مبادرة الخدمة المجتمعية وهي استراتيجية مرتبطة مع مجلس الوزراء، وهناك كثير من البرامج عممت على مدارس متنوعة، وكما تعلمون أن الطلبة أصبحوا شريكاً استراتيجياً ورئيسياً في كافة الفعاليات . والآن، كإدارة أنشطة طلابية ووزارة تربية وتعليم، نعمل على برنامج اسمه "بادر" وسيكون له بصمة واضحة وبارزة في تسليط الضوء على أهمية العمل التطوعي، وسيتم الإعلان عن هذا المشروع قريباً .
مريم الأحمدي
تتبنى الإمارات عن طريق مؤسساتها ذات النفع العام، دوراً ريادياً في العمل التطوعي من خلال نشر الوعي التطوعي بين أبناء الدولة، يهدف إلى إبراز الوجه الإنساني والحضاري للعلاقات الاجتماعية، وتعزيز التكافل والتعاون والمشاركة والتضحية والإيثار من دون مقابل أو أجر مادي في سبيل سعادة الآخرين وخدمة الوطن .
وتسعى الإمارات إلى نشر روح التطوع لدى أفراد المجتمع عن طريق دعوتهم للتطوع في الحملات والبرامج المختلفة التي تنظمها بشكل دوري، وإشراك المتطوعين بالمساهمة في التحضير والتنسيق .
والدولة أسهمت حقيقةً في الكثير من الفعاليات الناجحة، وكان لمتطوعيها شرف تمثيل البلاد في مناسبات مختلفة، لكن مع كل هذا مازلنا بحاجة إلى دور أكبر وأعم وأشمل، حتى تغدو ثقافة التطوع سمة بارزة لدى الجميع، فالمسؤولية كبيرة، والوطن بحاجة ماسة لطاقات أبنائه المبدعة الخلاقة المساهمة في التنمية وإبراز الدور التطوعي المجتمعي الحضاري .
راية المحرزي
التطوع عمل سامٍ، والله سبحانه وتعالى حثنا عليه، والعمل التطوعي يجري في دمنا، وهناك مؤسسات كثيرة في الدولة تمكنت من احتواء المتطوع وتنمية مهاراته وقدراته، لكن مع ذلك أتمنى أن تكون هناك قاعدة للعمل التطوعي، للارتقاء به وتطويره وتعزيزه أيضاً في المجتمع، مع العلم أنه في فترة من الفترات لمسنا عزوفاً عن العمل التطوعي، إنما في واقع اليوم يمكن القول إننا ارتقينا بالعمل التطوعي، بالرغم من وجود بعض التحديات والعوائق التي تؤثر في هذا العمل بشكل عام، وأعتقد أن على كل جمعية أن تحدد مهماتها وتستفيد من المتطوعين لتكريس العمل التطوعي .
وأتمنى في هذا المقام أن يتم تأهيل وتدريب المنخرطين في العمل التطوعي، لأن ذلك سيؤدي إلى معرفة هؤلاء بالدور المطلوب منهم . ولذلك أجد أن الاستثمار في العنصر البشري مهم لجهة تمكين العمل التطوعي في الدولة، وهناك مؤسسات فاعلة احتضنت متطوعين وحددت العلاقة التي تربطها بهم ووجهتهم واستفادت من رغبتهم في العمل لما يعود بشكل إيجابي على دولة الإمارات .
فاطمة المغني
حينما نتحدث عن العمل التطوعي في أرض الإمارات، نرى أن الواقع جميل والغد إن شاء الله سيكون أجمل، فهذا الواقع تطور إلى الأفضل والأحسن، في الرسالة والمضمون والتوجه، ونلاحظ أعداداً من الشباب والشابات توجهوا إلى العمل التطوعي بروح عالية، وهذا ما افتقدناه في الماضي، حيث كان الإقبال بسيطاً والعدد محدوداً، لكن اليوم يمكن القول إن الآفاق قوية، ثم إن الأسرة بدأت تعي دورها تماماً في أهمية العمل التطوعي، والوعي المجتمعي والجوائز ذات العلاقة شجعت الانخراط في العمل التطوعي، وربما هناك بطء في مفهوم هذا العمل، لكن إلى الأفضل والأحسن .
محمد صالح بداه
ثقافة التطوع بدأت بالانتشار بشكل كبير، خصوصاً مع التوجه القوي للدولة والمؤثر في مسار العمل التطوعي، والحمد لله لدينا الكوادر البشرية المتطوعة العاملة في الكثير من المؤسسات الأهلية في الدولة، وما لا يقل عن 80% من أعداد المتطوعين في الجمعيات والجهات الحكومية، هم على دراية تامة بثقافة العمل التطوعي . ثم إن هناك الكثير من الجهات تمتلك قوانين وتشريعات وأنظمة تساعد على تكريس ثقافة العمل التطوعي، سواء في القطاع الأهلي أو الحكومي، فضلاً عن أن المتطوعين يستجيبون بشكل إيجابي لحالات الطوارئ، وأستدل هنا بإعصار "جونو"، حيث كان المتطوعون يتصلون لتقديم خدماتهم، ولمسنا إتقانهم العمل وتنظيمهم الموفق، والفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، شكر جهود المتطوعين، خصوصاً العنصر النسائي الذي شارك بفاعلية في عملية التطوع .
عائشة سلطان
مسألة غنى الدولة ورفاهية شعبها وعلاقة ذلك بالعمل التطوعي، أعتقد أنها مسألة مهمة للغاية، خصوصاً لمن يربطون الرفاه والغنى بالتطوع، ولمن يتحدثون عن أننا دولة غنية، وبالتالي لماذا يكون هناك تطوع؟ مع العلم أن أكثر الدول التي تهتم بالمتطوعين ولديها كوادر بشرية ومؤسسات فاعلة، هي الدول الأكثر ثراءً، ويفترض أن يخدم الرفاه العمل التطوعي ويتجهان في منحى تصاعدي يعزز في تمكين المجتمع وتجسيد قيم الولاء والتكافل الاجتماعي .
علي حسن العاصي
هناك الكثير من الشخصيات التي قدمت الكثير للعمل التطوعي وساهمت في تعزيز واقعه كما نلاحظ ذلك اليوم، وحين نتحدث عن هذا الواقع فيمكن القول إنه يلقى دعماً كبيراً من القادة والمسؤولين، وهناك العديد من البرامج والمبادرات داخل الدولة، أدت إلى زيادة الوعي في المجتمع بأهمية العمل التطوعي، وفي الفترة الأخيرة، وجدنا إقبالاً شديداً على العمل التطوعي من المواطنين والمقيمين ومن الجنسيات المختلفة، وبحكم عملي في هذا المضمار، أؤكد أن العنصر النسائي هو الأكثر فاعليةً في العمل التطوعي، وهذا هو الواقع الذي لمسته، مع ذلك، فإن الكثير من الشخصيات ساهمت وبلا مقابل وأجر مادي، في تعزيز وتمكين العمل التطوعي بالدولة، وهي فخر للوطن . وعليه أقول إن العمل الاجتماعي برز في الدولة خصوصاً وقت الأزمات، وأستحضر هنا مثلاً مجزرة صبرا وشاتيلا، حيث أمر حينها المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، جميع الجهات بالتفاعل وتقديم العون للمنكوبين .
عبدالرحمن المرزوقي
المتابع والمعايش لميدان العمل التطوعي، يلاحظ أن هناك الكثير من التطور حصل لمفهوم العمل التطوعي خلال الفترة الماضية، ومثلما هو حال الدولة وتطورها السريع في مختلف الميادين، كذلك هو حال العمل التطوعي الذي يتعزز يوماً بعد يوم .
اليوم عدد المشاركين كبير ومُلاحظ في العمل التطوعي عموماً، إلى جانب اهتمام المؤسسات في هذا العمل، ونجد في كل مؤسسة قسماً أو لجنة أو جهة للعمل التطوعي، وتعدى مفهوم هذا العمل إلى الجانب الخيري والإنساني، حيث تعزز في جميع المجالات، سواء في خدمة المجتمع أو دور الإعلام تجاه قضايا الناس، والمساهمة المالية . . . إلخ .
وفي الهلال الأحمر نقوم على نشر العمل التطوعي عن طريق المتطوعين والمهمات التي يقومون بها داخل الدولة وخارجها، ونغرس قيم العمل التطوعي في أبنائنا وطلابنا، عن طريق مسابقة يقيمها الهلال الأحمر وبالاتفاق مع وزارة التربية والتعليم، بحيث نقيم مسابقة في كل مدرسة، على أن تكون هناك أعمال تطوعية خيرية إنسانية مجتمعية، وبالتالي تعزز هذه الثقافة لدى جيل الأطفال من الصغر . وهناك أيضاً في ثانوية التكنولوجيا التطبيقية التي أعمل فيها، مشروع اسمه "فزعة"، حيث يُطلب من كل طالب أن يقوم ب100 ساعة تطوعية تسبق تخرجه وفي إطار أربعة أعوام، وهذا المشروع ساهم حقيقةً في غرس ثقافة العمل التطوعي .
وما نلاحظه الآن، انتشار جمعيات أو لجان تطوعية غير رسمية ولا مسجلة، وينشطون عبر المواقع التفاعلية الإلكترونية، إذ هناك أشخاص قاموا بأعمال خيرية ومجتمعية من دون أن تكون لهم مؤسسات رسمية، وبالتالي هذه بحاجة إلى دراسة، ولابد من توفر شروط واشتراطات لتنظيم العمل التطوعي .
علي محمد المازم
حقيقةً انتشرت الفرق التطوعية في الآونة الأخيرة بشكل كبير، وعلى سبيل المثال تواصلتُ مع وزارة الشؤون الاجتماعية من فترة لكن دون أن أصل إلى نتيجة معهم، وبدايتي في العمل التطوعي، كانت عبر إدارتي شركة حفلات، حيث سمعت عن شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، ويرغب في الزواج لكن وضعه المادي لم يسعفه، ولفت انتباهي موضوعه، حيث طلبت مساعدة من أفراد ومتطوعين، إلى أن تمكنا من عقد حفل زفافه، والحمدلله أعجبتُ بهذه الفكرة، ورأيت أنه يمكنني أن أقدم فيها الكثير والتواصل مع دار الأيتام وغيرها من المؤسسات الأخرى، وتمكنتُ من تكوين فرق تساعدني على تقديم هذه الخدمات، إلى أن سألني أحد الأشخاص عن إمكانية إنشاء مؤسسة ووضع اسم لها، وذهبت إلى وزارة الشؤون الاجتماعية من دون أن أحصل على جواب منهم، ومع الوقت كان عدد العاملين معي في زيادة، واخترنا اسم "فخر الوطن" للعمل التطوعي الخاص بنا، وكنت خائفاً من الانطلاق بهذا العمل من دون مظلة ولا سند، وبحكم خبرتي في إدارة الفعاليات، حصلت على معلومات تفيد بإمكانية حصولي على رخصة تجارية، وتواصلت مع الدائرة الاقتصادية وحدثتهم عن وضعي ورحبوا بذلك طالما أمتلك رخصة تجارية، وأتطوع بتقديم الخدمات من مالي الخاص . والحمدلله كونت فرقاً من الشباب وصقلنا مهاراتهم ووجهناهم حسب تخصصهم أو رغباتهم، بحيث هناك فريق للمسرح الهادف وآخر للتمثيل، وقمنا على سبيل المثال في تقديم توعية للمدارس .
عائشة سلطان
لماذا لا نوسع نطاق الجمعيات؟ حيث أعتقد أن أحد أسباب ضعف جمعيات النفع العام، وليس فقط جمعيات العمل التطوعي، أن هذه تركز نشاطاتها في إمارة واحدة، من دون أن يكون لها أفرع في الإمارات المختلفة، ولذلك فإن هذا يؤثر في طبيعة التواصل وتقديم الخدمات، خصوصاً للمناطق الأخرى والبعيدة، إلى جانب أن الجمعيات بحاجة إلى تكاليف كبيرة لإقامة فروع لها في إمارات الدولة .
أحمد البخيت
التطوع في دمنا، خصوصاً وأن عاداتنا وتقاليدنا وحكامنا والحياة الاجتماعية التي عاشها أهلنا من قبلنا قائمة على التطوع، والواقع حالياً ممتاز جداً وللدولة رؤية 2021 ومنصوص فيها العمل التطوعي، ثم إن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أطلق وثيقة سلوكيات المواطن الإماراتي التي تصل إلى 17 بنداً، وأحد بنودها يتحدث أن على المواطن أن ينخرط في العمل التطوعي، ولذلك لدينا ثقافة منتشرة بين مختلف الأفراد، لكن كيف يتم تطبيق هذه الثقافة؟
حقيقةً تطبق من جهتين، الأولى تتصل بالأفراد والثانية من جهات رسمية، ومشكور جهد الأفراد في العمل التطوعي، إنما كمؤسسة رسمية ووزارة وجهة مصرحة، ينبغي أن تضع معايير للتطوع لاحتواء فئة الشباب الذين يرغبون في تأسيس جمعيات للعمل التطوعي، بما يعني ضرورة أن تكون المعايير مواكبة للتطورات الجارية .
ولذلك أقول إن من المهم أن يكون العمل والنشاط الفردي مسجلاً لدى الجهات المتخصصة، وهذا حقيقةً يغني العمل التطوعي بشكل عام .
عبدالرحمن العبدالله
شهد العمل التطوعي في الفترة الأخيرة بالدولة طفرة كبيرة جداً، وشخصياً ساهمت بإعداد فرق تطوعية وتكوين بناء هذه الفرق، عن طريق النظريات العلمية البحتة، بما يؤدي إلى وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وأتحدث على سبيل عن موضوع "جدران" الذي أقامته مؤسسة التمكين الاجتماعي، لترميم جدران أو بيوت أسر الأرامل والأيتام، وجاء هذا المشروع أولاً لمعالجة نفسيات الأطفال الموجودين في البيت، إلى جانب العمل التطوعي والخيري، وحين يأتيك 150 متطوعاً لإنجاز بيت واحد على سبيل المثال، فإن ذلك يحتاج إلى نحو ثلاثة أيام، لكن عن طريق عدة معايير آخذها بعين الاعتبار، فإنني سأحتاج فقط إلى 15 متطوعاً وأنجز المشروع في مدة زمنية لا تتجاوز اليومين .
د . خليفة الشعالي
أعتقد أننا بحاجة ضرورية لقاعدة بيانات خاصة بعدد المؤسسات التطوعية ونوعها، وعدد المتطوعين ونوعهم، إلى جانب عدد المستفيدين ونوعهم أيضاً، واستناداً إلى بحث قديم في موضوع مختلف تماماً، وجدنا أن المؤسسات أكثر من عدد المستفيدين، بحيث إن هذه المراكز المنتشرة لا أحد يأتيها، فهل كمؤسسة رسمية ضبطنا هذا الأمر وعرفنا عدد المؤسسات التي تعمل وما هي تخصصاتها، وهل لدينا كفاية أو لدينا زيادة؟ هل لدينا متطوعون كفاية وهل هم مؤهلون للعمل التطوعي .
أعتقد هنا أننا بحاجة إلى مثل هذه الخارطة التي تحدد وتضبط العمل التطوعي بشكل عام، وحقيقةً أثناء العمل مع ثلاث مؤسسات، لاحظنا أن الأشخاص الذين نساعدهم في مؤسسة معينة، هم نفسهم لديهم ملفات في مؤسسة أخرى، ما يعني غياب التنسيق بين بعض المؤسسات، ويمكن الحديث هنا عن الهلال الأحمر، الذي سعى إلى ضبط هذه المسألة في موضوع الخدمات إلى حد معقول، وأعتقد أن على جيل الحاضر أن يجهز خارطة تتضمن الحديث الذي أسلفت عنه بخصوص قاعدة بيانات تنظم العمل التطوعي .
عائشة سلطان
انتقالاً للمحورين الثاني والثالث، تحدثنا عن واقع العمل التطوعي، لكن ماذا عن التحديات؟ أتحدث هنا عن جاهزيتنا لمرحلة ما بعد التقاعد، وهل يمكن الاستفادة من خبرات المتقاعدين؟ ثم ماذا عن زيادة عدد الشباب الذين ينبغي الاستفادة منهم لمصلحة العمل التطوعي؟ ما الذي يمنع استيعاب هذه الأعداد في المؤسسات؟ هل هناك معوقات داخل المؤسسة أم خارجها؟
فاطمة المغني
أهم الصعوبات والتحديات تتصل بقوانين وزارة الشؤون الاجتماعية التي وضعت منذ السبعينيات من القرن الماضي ولم تتطور، فهذه القوانين لا تفي بحاجة المتطوع اليوم وهي لم تتغير ولم تواكب التطورات الحالية، ثم إننا بحاجة إلى تضافر وتعاون بين أعضاء مجالس إدارة الجمعيات إلى جانب التعاون والتنسيق بين الجمعيات نفسها .
تجربة حرب الكويت كانت مهمة واستفدنا حقيقةً من العمل الجماعي التطوعي، وإعصار "جونو" تم التعامل معه بمسؤولية تطوعية عالية، وكانت هذه تجربة جديدة استفدنا خلالها في كيفية العمل التطوعي أثناء الأزمات، والحقيقة أفتخر بالشباب الذين يتطوعون لتقديم الخير بلا مقابل .
وأقول هنا إن على مجلس إدارة جمعية متطوعي الإمارات، أن يسعى إلى تغيير القوانين المتعلقة بالعمل التطوعي وألا نظل على نفس البنود وشروط العضوية التي وُضعت من سنين طويلة .
وفي هذا الإطار، أرى أنه من الضروري وضع قاعدة بيانات لجميع المتطوعين والمؤسسات التطوعية الحديثة والمُشهرة، وعقد مؤتمر مشترك عن التطوع، بين الشباب والخبرات القديمة، وبين المؤسسات الحكومية المُشهرة وغير المُشهرة، حتى تتلاقح الأفكار ونخرج بتوصيات تفيد العمل التطوعي وتُقدم عن طريق جمعية متطوعي الإمارات إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، لتعديل القوانين التي وُضعت قبل نحو أربعين عاماً .
أحمد البخيت
جمعية متطوعي الإمارات حقيقةً تمثل كافة المتطوعين على مستوى الدولة، ولدينا عدد من الجمعيات التطوعية المتخصصة في موضوعات معينة، مثل جمعية الإمارات لمتلازمة داون، وجمعية الإمارات للثلاسيميا، وهؤلاء لديهم متطوعون، وعليه يمكن القول إن التطوع ليس مرتبطاً بجمعية واحدة، إنما هناك متطوعون منتشرون في الكثير من الجمعيات وفي المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وفي إمارة دبي على سبيل المثال، لدينا فريق تطوع تابع لبلدية دبي، وهناك فريق في الأراضي والأملاك، وآخر في مؤسسة دبي للإعلام . . . إلخ، وهذه الفرق تقوم على أفكار جميلة، بحيث تستهدف تنشيط الموظفين للقيام بمبادرات تفيد المجتمع، إلى جانب تحفيز الأخير على المشاركة في أنشطة المؤسسات .
لكن أقول هنا إن وزارة الشؤون الاجتماعية هي المظلة والجهة المعنية بضم خريطة عمل كافة الجمعيات، وأعتقد أن من المهم وضع معايير مطورة تواكب العصر الحديث، سواء للمتطوعين أو الجهات والمؤسسات، وضرورة كسر ثقافة "الأنا" لخدمة "نحن"، مع أهمية وضع خريطة تضبط العمل التطوعي وتضم جميع التخصصات والمهارات المتعلقة بهذا العمل .
علي حسن العاصي
لماذا لا تكون لدينا مظلة رسمية حكومية، حيث تتضمن سجلاً، يشمل أسماء كافة المتطوعين على مستوى الدولة، على أن يتم التنسيق الدائم معهم وأن تكون لها ميزانية، ذلك أن التحديات المتعلقة بالعمل التطوعي تتصل بضعف الموارد المالية .
وأشدد هنا على أهمية ديمومة العمل بروح الفريق الواحد وعدم اختزال العمل التطوعي في جهد فرد واحد . وبالنسبة إلى وزارة التربية والتعليم، أجد أن عليها تنشئة الأبناء على ثقافة وحب العمل التطوعي، وعلى أن تدرس ثقافة العمل التطوعي في البرامج المدرسية .
د . خليفة الشعالي
من الضروري تقييم جميع المؤسسات التطوعية، وما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته، إذ يحتاج العمل التطوعي إلى الارتقاء بالفكر المؤسسي، وأعتقد أن على جمعية متطوعي الإمارات مهام كثيرة ودور كبير لوضع خريطة للعمل التطوعي ووضع هيكلة من شأنها أن تعزز هذا العمل، وكما قلت أن تخضع جميع المؤسسات إلى التقييم المؤسسي .
فيما يتعلق بسبل تطوير العمل التطوعي في الإمارات، لابد من التركيز على الشباب من حيث إنهم زبائن ومنتجون، وعلى جمعية متطوعي الإمارات أن تحدد قوائم مَن هم المتطوعين، ومن ثم يتم الانتقال إلى محور التدريب والتأهيل .
عائشة سلطان
علينا أن نوسع دائرة فهمنا للعمل التطوعي، وبما يعني التطوع في مختلف المجالات وعدم اقتصار هذا العمل على نوع معين أو مشكلة معينة، خصوصاً أن المجتمع في توسع وهذا يتطلب أيضاً إشراكه في العمل التطوعي تعزيزاً لمبدأ التكافل الاجتماعي .
سحر العوبد
القوانين الخاصة بالعمل التطوعي تحتاج إلى مراجعة حقيقية، إلى جانب أننا عضو في الاتحاد العربي ويفترض أن تكون لدينا ميزانية، خصوصاً أن لدينا مشاركات خارجية، وبالتالي ليس لدينا موارد تغطي عملنا، ثم إن ميزانيتنا مثل ميزانيات جمعيات النفع العام، لا تتعدى 70 ألف درهم في العام الواحد، وتشمل بطبيعة الحال رواتب الموظفين ونفقات سفرنا إلى الخارج، ولذلك نحن بحاجة إلى ميزانية أخرى لتغطية النفقات الضرورية .
مع الأسف، نحن نعمل بلا ميزانية، ولتسيير العمل التطوعي أؤكد على ضرورة توفير ميزانية مناسبة .
الحقيقة أننا وصلنا إلى ثقافة العمل التطوعي، لكن ليس تخصصياً، وأقصد بذلك التخصص في عمل تطوعي معين، وهذا يقودني إلى التأكيد على ضرورة إيجاد ثقافة تخصصية للعمل التطوعي .
عبدالرحمن المرزوقي
ثقافة العمل التطوعي موجودة لكنها بحاجة إلى صقل، إلى جانب ضرورة تأهيل الكوادر التطوعية ومعرفة الجمعيات بأساسيات وأبجديات العمل التطوعي، وحتى نصل إلى نتائج إيجابية نحتاج إلى المزيد من الوقت . والحقيقة أننا لا نريد الحد من العمل التطوعي في المجتمع، ولا نتحدث هنا عن الجهد الفردي، إنما نتحدث عن مؤسسات وجهات، بحيث إنه لابد من وجود ضوابط تضبط العمل التطوعي، مع أهمية صقل المتطوع ونشر ثقافة التطوع لديه، لأن ذلك يسهم بشكل كبير في نشر الثقافة بالمجتمع .
علي محمد المازم
ألخص التحديات من وجهة نظر فريق رابطة فخر الوطن في أربع نقاط، أولها مواجهة الاستغلال والمنافسة غير الشريفة، وتأهيل وتثقيف من تجاوز عمرهم الثلاثين، إلى جانب التوجيه الصحيح وما ينبغي القيام به لمعرفة الصواب والخطأ . وأعتقد أنه لابد من وجوب توفير رخصة للتطوع، فهي تشكل وتحدد هوية المتطوع والعمل الذي يقوم به، إلى جانب أنها قد تسهل وتذلل له العقبات لممارسة عمله التطوعي .
شريفة موسى
هناك بعض المدارس لديها مبادرات قام بها طلبة ومعلمون، وتخدم المجتمع ومختلف فئاته، وبالنسبة إلى التقييم المؤسسي، لدينا برنامج الاعتماد الأكاديمي المفروض على كافة المدارس، ويشمل ذلك الإلمام بالوعي وثقافة إدارة المخاطر، وعملية الإخلاء والدفاع المدني، إضافة إلى السلامة الأمنية، وهناك معايير يتم اتباعها والتنسيق مع شركات عالمية، وبطبيعة الحال يأخذ الاعتماد الأكاديمي في الاعتبار، العمل التطوعي وخدمة المجتمع وعدد الساعات التطوعية التي ينفذها الطالب والعاملون في المدرسة، وبرامج خدمة المجتمع، وبالتالي من المهم فتح مجالات جديدة في التطوع والتركيز عليه كمضمون، وليس كشكل ومظهر على إدارات الجمعيات .
وأقصد هنا النفع العام والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، بما يعني العمل والخروج من منصب التشريف إلى التكليف، ثم إنه يمكن ربط المعلومات المتعلقة بمجالات التطوع بالهوية، وعلى أن تكون مضمنة فيها .
د . خليفة الشعالي
السلوك يوضع من خلال منهج المدرسة والحضانة، وهذه يسمونها قيم التطوع، وهي مدروسة في بلدان العالم، بحيث إن على المدرس أن يدخل قيمة العمل التطوعي في منهجه، وهذا يشمل المدرسة والجامعة، إلى جانب وجوب مؤسسة ترعى التطوع في المدرسة أو الجامعة لتمكين الطلاب وتأهيلهم وصقل وتنمية قدراتهم، ولذلك أعود للحديث عن أهمية الهيكلة المنضبطة حتى للقيم .
عبدالرحمن العبدالله
ينبغي بناء وتكوين فرق العمل التطوعية للجمعيات المسجلة رسمياً في الدولة على أنها فرق تطوع، لتقنين العمل التطوعي ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ولدي استعداد لتدريب الأفراد المتطوعين مهما كان عددهم، على كيفية تكوين فرق العمل وبنائها، وعلى أن يتم الاستفادة من المتطوعين بما يتناسب والحالة البدنية والفكرية، ذلك أن العمل التطوعي يقوم على الأفراد وبالتالي من المهم تمكين هؤلاء والاعتناء بالفرد للانطلاق إلى العمل الجماعي .
الحقيقة أن الإمارات أعطتنا الكثير، وينبغي علينا رد هذا الجميل ولو بشيء بسيط، وأقترح في موضوع آخر أن يكون هناك مرونة مع الموظفين المتطوعين، بحيث تُضاف ساعات التطوع للوصف الوظيفي .
مريم الأحمدي
أقترح في هذا الإطار تخصيص اليوم الوطني للتطوع الإماراتي، وتنظيم ملتقيات علمية وأهمية البحوث العلمية في تنمية العمل التطوعي، ووضع خطط وصياغة استراتيجيات مشتركة في مجال العمل التطوعي، وتطوير ميثاق أخلاقي وآخر لمزاولة النشاط التطوعي، إلى جانب التوسع في نشر ثقافة العمل التطوعي وتحفيز الشباب، خاصة على المشاركة في أعمال التطوع، والاهتمام بالبعد الأسري والأخلاقي والديني وتدريب الأبناء على العمل التطوعي .
راية المحرزي
المتطوع أحياناً يعاني التفرغ، خصوصاً إذا كان يعمل لدى جهة حكومية أو خاصة، وبالتالي هذا يعيق حركته وعمله، إلى جانب أن المتطوعين بحاجة إلى تأهيل وتدريب دائمين، وليس فقط الاكتفاء بدورات ومن ثم يتوقف النشاط التدريبي، بل لابد أن يكون مستمراً ويستهدف تمكين المتطوعين وربطهم بآخر مستجدات وواقع العمل التطوعي .
المشاركون
شارك في الندوة كل من:
- أحمد سعيد البخيت: مدير مركز دبي للتطوع .
- د . خليفة الشعالي: باحث قانوني وكاتب .
- راية خميس المحرزي: هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية .
- سحر أحمد العوبد: نائب رئيس الاتحاد العربي للعمل التطوعي، رئيس مجلس إدارة جمعية متطوعي الإمارات .
- شريفة موسى حسن: مديرة إدارة الأنشطة الطلابية بوزارة التربية والتعليم وأمينة سر جمعية المعلمين .
- عائشة سلطان: كاتبة وإعلامية .
عبدالرحمن أحمد المرزوقي: مسؤول شؤون المتطوعين في الهلال الأحمر الإماراتي - الشارقة .
- عبدالرحمن العبدالله: مستشار أسري وتربوي في مؤسسة التمكين الاجتماعي .
- علي حسن العاصي: رئيس لجنة الأسر المتعففة في أم القيوين .
- علي محمد المازم: مؤسس ورئيس رابطة فخر الوطن للأعمال التطوعية .
- فاطمة أحمد المغني: خبيرة وعميدة المتطوعين والمتطوعات في الدولة .
- العميد متقاعد محمد صالح بداه: عضو مجلس إدارة جمعية متطوعي الإمارات .
- مريم محمد الأحمدي: باحثة وناشطة مجتمعية ومتطوعة في عدة جمعيات نفع عام .
التوصيات
خرجت ندوة العمل التطوعي في الإمارات بعدد من التوصيات على النحو الآتي:
1- إيجاد مظلة رسمية حكومية تعنى بالعمل التطوعي في الدولة وتضم كافة المؤسسات والفعاليات المنخرطة في هذا العمل .
2- توفير قاعدة بيانات تتضمن عدد المؤسسات الرسمية والأهلية التي تعنى بالعمل التطوعي وحصر عدد المتطوعين وطبيعة اختصاصهم في الأعمال التي يتطوعون بها .
3- وضع هيكلية منضبطة وتقييم دوري للعمل التطوعي .
4- تمكين المتطوعين وصقل قدراتهم وتعزيز مهاراتهم بما ينعكس إيجاباً على العمل التطوعي .
5- إعادة النظر في التشريعات الخاصة بوزارة الشؤون الاجتماعية فيما يخص العمل التطوعي .
6- إيجاد فروع لجمعيات تطوعية وخيرية يمكنها من القيام بمهامها في إمارات الدولة .
7- إرساء العمل الجماعي وتكريس ثقافة ال"نحن" وليس ال"أنا" في العمل التطوعي .
8- تكريس ثقافة التطوع لدى النشء في المدارس وفي مؤسسة الأسرة .
9- وضع ثقافة تخصصية للعمل التطوعي .
10- اقتراح يوم وطني للتطوع في الإمارات .
11- عقد مؤتمر مشترك بين مختلف المؤسسات والاستفادة من تجارب الشباب المتطوعين وأصحاب الخبرات في العمل التطوعي .