إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.... فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا. وإذا أصيب القوم في أخلاقهم.... فأقم عليهم مأتماً وعويلاً، فالأمم تضمحل وتندثر، إذا ما انعدمت فيها الأخلاق، هكذا بلور أمير الشعراء أحمد شوقي، أهمية الأخلاق في بناء الأمم ونهضة المجتمعات وإعداد الأجيال.
فاليوم يتعرض العالم لموجة «جرائم أخلاقية» متتابعة ومشكلات اجتماعية شائكة، فضلاً عن ممارسات و«أنماط سلوكية منحرفة»، سلبت من الأفراد والمجتمعات السعادة والأمن والاستقرار، الأمر الذي ينذر بخطر يهدد أجيال المستقبل. لعل مبادرة «التربية الأخلاقية»، لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، التي جاءت في الأمس القريب، لتضيء منابر العلم بمشاعل القيم والأخلاق، وتغرس في نفوس الأجيال في المجتمع المدرسي مفاهيم جديدة للولاء وحب الوطن، وتحميهم من أفكار مسمومة اختلط فيها «الحابل بالنابل»، وتمثل في الوقت ذاته ترجمة واقعية لحاجتهم في المستقبل، في ظل متغيرات متسارعة وثقافات مختلفة.
أكد خبراء وتربويون ومعلمون وعلماء نفس وأولياء أمور، لـ«الخليج»، أهمية وجود تلك المادة في رحلة حياة الطلبة الدراسية وتعليمهم مفاهيمها ومساراتها وأهدافها، لما تحمله من آثار إيجابية على المخرجات وطرائق التفكير الطلابي، في ظل تقنيات الاتصال والعولمة، التي نشعر من خلالها بمعاناة المجتمعات، بسبب ما أفرزته من جرائم أخلاقية دخيلة على العادات والتقاليد، وتجاوزت كل الأعراف، وتهدد في محتواها مسيرة بناء الإنسان.
«الخليج» التقت شرائح المجتمع كافة، للوقوف على أهمية مادة «التربية الأخلاقية» في بناء الأمم والنهوض بالمجتمعات، ومدى انعكاسها على إعداد أجيال تستطيع مجابهة التحديات ومواكبة المتغيرات، دون الانحراف وراء أفكار مرضية، أو سلوكيات أخلاقية يرفضها المجتمع، لاسيما أن الأيام المقبلة ستشهد أدوارا جديدة وواجبات مستحدثة للمؤسسات التعليمية في تعليم الأبناء.
ثقافات وسلوكيات دخيلة
البداية كانت مع الخبير التربوي الدكتور عبد الله مصطفى، الذي يرى أن توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بدعم المناهج بمادة التربية الأخلاقية، تعكس مدى رؤية سموه الثاقبة وعمق تطلعاته المستقبلية لحماية أبناء الإمارات من الانحطاط الأخلاقي، في ظل ما نشهده من ثقافات وسلوكيات دخيلة على مجتمعاتنا.
وقال إن المسؤولية الأولى عن الظواهر السلبية في الأخلاق، تقع على عاتق المؤسسات التعليمية، لما تقدمه من مناهج دراسية تقتصر على تزويد الطلاب بمعارف ومعلومات تقدم في الاختبارات فقط، دون الاهتمام بوجود محتوى علمي يحميهم من الوقوع في براثن تلك المظاهر السلبية، وهنا تكمن أهمية وجود مادة التربية الأخلاقية، لتسهم في معالجة مثل هذه المظاهر، وتزود النشء بالقيم الأخلاقية التي يريد المجتمع غرسها في أبنائه، فضلا عن مجابهة السلوكيات المنحرفة ووقاية المجتمع من جرائم الأخلاق، وجميعها وظائف مهمة للمدرسة التي ينبغي تحقيقها من خلال المواد الدراسية والأنشطة والمعلم.
وفي رأيها، أكدت شريفة موسى نائب رئيس جمعية المعلمين المستشارة في وزارة التربية والتعليم، أن التربية الأخلاقية تعد تعليما موجها نحو تقديم المعرفة والمهارات والاتجاهات اللازمة لاكتساب السلوكيات الحميدة، إذ تتنوع الأساليب التي تقدمها المؤسسات التعليمية، من خلالها التربية الأخلاقية للطلاب، أهمها «القدوة الحسنة، وأسلوب الحوار، والتربية عن طريق المشاركة والممارسة العملية، وعن طريق غرس الإيمان بالرحمة الإنسانية، ويعتبر تضمينها ضمن أهداف ومحتوى المنهج المدرسي من أكثر الأساليب فاعلية».
وشددت موسى على ضرورة نشر الوعي بين المعلمين، وإلزامية تحقيق أهداف التربية الأخلاقية من خلال المفاهيم والموضوعات العلمية التي يقومون بتدريسها، وأنماط وطرق التدريس التي يستخدمونها، فلم يعد المعلم مجرد ناقل للمعرفة إلى الطلاب فقط، وإنما أصبح يقوم بعدد من الأدوار التي يأتي من أهمها أنه مرب أخلاقي ومصلح اجتماعي.
مقومات عالمية
أكد جمال الشيبة مدير مدرسة عمر بن الخطاب النموذجية للبنين بدبي، أن التربية الأخلاقية تمتلك المقومات العالمية والأهداف السامية التي بتضمينها وتطبيقها في مناهجنا ومدارسنا وممارساتنا اليومية، تستقيم حياتنا وتسمو أخلاقنا وتقل المشكلات الأخلاقية، وإذا أدركت عناصر المجتمع بمختلف فئاتها، الرسالة العظيمة التي بعث بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من خلال تلك المبادرة، وطبقوها في تربية وتعليم الأبناء، ستحقق التربية الأخلاقية نتائج مبهرة، في وقاية المجتمع وحمايته من الجرائم الأخلاقية، والرقي به إلى أعلى المستويات في الأخلاق، ورسولنا- صلى الله عليه وسلم- يقول: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
وأكد أن الطلبة هم رجال المستقبل وصناعه، وعليهم تعقد الآمال في النهوض بالأمة ورفعتها ومجدها، وعليهم أن يأخذوا بأسباب النجاح والعزة، إذا أرادوا أن يقوموا بهذه الأمانة العظيمة والمسؤولية الكبيرة، إذ إن من أهم العوامل التي تعينهم على بناء المستقبل وصناعة الحياة، التحلي بالأخلاق الحسنة الحميدة التي جاء الدين الحنيف بالحث عليها والترغيب فيها؛ فهي خير ما أعطي الإنسان، وأفضل حلية يتحلى بها أهل الإيمان.
سعادة الشعوب
أما حميدان ماضي مدير مدرسة سلمان الفارسي بالشارقة، فيرى أن مبادرة صاحب السمو ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، تعد مصباحا يضيء سبيل الأبناء في المجتمع، إذ إن سعادة الدول ليست بوفرة ثروتها، ولا بقوة حصونها، وإنما بكثرة ذوي الأخلاق الحميدة من أبنائها، مؤكدا أن التربية الأخلاقية تسهم في اكتساب الطلبة الخبرات المتنوعة، فضلا عن ثروة القيم والأخلاق والمبادئ والمثل العليا، وإدراكه السبل الحديثة لمفاهيم حب الوطن، وغرس معاني الولاء في النفوس، موضحاً أن هذه مسؤولية مشتركة بين البيت والمدرسة، وينبغي على الجميع الالتزام بتحقيق الأهداف النبيلة لتلك المبادرة.
وفي ما يخص المخرجات التعليمية، أفاد ماضي بأن تلك المادة ستلعب دوراً كبيراً في جودة المخرجات، علمياً وثقافياً وأخلاقياً، وهذا مشروط بتنفيذها بمسؤولية وإخلاص، لاسيما أن مفاهيم الأخلاق تغيرت لدى الكثير من الأبناء في مختلف المجتمعات، وانتشرت المساوئ، وبذاءة اللسان، وغيرها من الأمراض التي أثقلت كاهل تلك المجتمعات، وشوهت صورتَها.
تعميق المفاهيم
وترى حصة الطنيجي رئيس قسم الابتكار في وزارة التربية والتعليم، أهمية دعم وتعميق المفاهيم الأخلاقية، من خلال إطلاق جوائز تشمل حلقات التعليم، وتضم إداريين ومعلمين ومتعلمين وأولياء أمور، ومؤسسات مجتمعية، فضلاً عن تكامل الدور التعليمي، وتعززه من خلال إبرام اتفاقيات متنوعة تخدم مسار التربية الأخلاقية في المراحل التعليمية كافة، مضيفة أن إطلاق هذه المبادرة رؤية حكيمة لتربية النشء للمحافظة على عاداتنا وتقاليدنا، وتعتبر في الوقت ذاته من المبادرات التي تنتهجها لترسيخ مبادئ والقيم الأخلاقية.
وقالت إن المبادرة رسالة صريحة من سموه عن بداية عصر معرفي جديد، يحمل في طياته مفاهيم ومسارات جديدة لتدريس العلوم، لاسيما بعد اعتماد مادة التربية الأخلاقية ضمن المواد الدراسية، إذ جاءت تلك المبادرة لتنير دروب المعرفة أمام أبناء المجتمع، معتبره أن تعليم الأخلاق مسار ينمي وينشط القوى الفكرية، ويهذب الأذواق ويشبع حب الاستطلاع النافع.
الأخلاق والمجتمع
من جانبها قالت ولية الأمر سارة مصطفى، إن الأخلاق هي رافعة المجتمع، فحين تكون الأخلاق موجودة في سلوكيات أي المجتمعات، فهذا يعني أن هذا المجتمع متحضر متمدن يسعى للتقدم والرفعة بين الأمم، فهي معيار بقاء للأمم والحضارات، وهذا ما أدركه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان برؤية سموه الثاقبة ونظرته المتعمقة للمستقبل، إذ ان مادة التربية الأخلاقية ستلعب دوراًً كبيراً في إعادة سلوكيات الكثير من الأبناء، وسبل تفكيرهم في المستقبل، بما يواكب المتغيرات الحديثة، حيث سيتم إعدادهم بشكل صحيح وفقا لمعطيات المادة الجديدة، ما يسهم في نمو قدراتهم على مجابهة تحديات المستقبل.
وأضافت أن إيجاد مبادرة لتعليم الأخلاق في المدارس، كانت مطلبا ملحاً وضرورة فرضتها، المجتمعات في ظل الظروف المحيطة، لاسيما أن العالم بات قرية صغيرة يمكن لأي شخص الوصول إليها، فضلاً عن اختلاف الثقافات والعادات والتقاليد، وبالتالي الأخلاقيات بحسب كل مجتمع، الأمر الذي جعل هناك حتمية لحماية أبنائنا الطلبة، مؤسساتنا التعليمية من الانحطاط الفكري والعادات والسلوكيات التي يرفضها المجتمع بكافة فئاته.
حاجة ماسة
من جانبها أكدت نهلة يوسف المختصة في علم النفس التربوي، أن الحياة المدرسية في حاجة ماسة إلى مساهمة كل الأطراف المعنية بالتربية والتكوين لتفعيلها وتنشيطها مادياً ومعنوياً، لخلق مدرسة حديثة مفعمة بالحياة، قادرة على تكوين إنسان يواجه التحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية.
وأوضحت أن المدرسة مؤسسة اجتماعية وتربوية ضمن المجتمع، يركز دورها على تربية النشء وتأهيلهم ودمجهم في المجتمع لتكييفهم معه، فضلاً عن أنها فضاء تربوي وتعليمي، وأداة للحفاظ على الهوية والتراث ونقله من جيل إلى آخر، وأساس من أسس التنمية والتطور وتقدم المجتمعات الإنسانية، ولديها أدوار أخلاقية سامية تقوم بدور رفع مستوى المجتمعات إلى أرقاها في التعامل مع تطورات العصر.
وأفادت بأن المدرسة تتحمل مسؤوليات تربوية وتعليمية لتعزيز القيم الدينية والأخلاق النبيلة وتنمية المهارات والقدرات الفكرية والبدنية، وفق ما تتطلبه هذه المرحلة من عوامل لرعاية السلوك،وعليها الدور الكبير في صياغة الفكر وتنمية القدرات وتوجيهها لمعترك الحياة لدى الناشئة تكاملاً مع الدور الأسري لاسيما في الجوانب السلوكية وفق الأسس التربوية لرعاية السلوك الإنمائي، والسلوك الوقائي والسلوك العلاجي.
تفاعل كبير عبر «تويتر»
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي «الفيس بوك» و«تويتر»، تفاعلا كبيرا مع مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، «التربية الأخلاقية» إذ شارك العديد من فئات المجتمع في وسم هويتنا _ تسمو _ أخلاقنا، وجاءت التغريدات تؤكد أن المجتمع اليوم في حاجة ماسة لترسيخ أمور عقيدتنا ومبادئنا وتأجيج الوطنية، وغرس القيم في أذهان أبنائنا ابتداء من الأسرة، فضلاً عن أنه بمكارم الأخلاق تسمو الأمم والحمد لله الأخلاق وطيب السمعة في دار زايد عنوان لكل مواطن.
7 أدوار للمدرسة
حدد المختصون في علم النفس التربوي 7 أدوار للمدرسة لتفعيل مادة التربية الأخلاقية وخدمة أهدافها، أهمها الارتقاء بالسلوكيات الحسنة وتعهدها بالتشجيع والرعاية على نحو يضمن انتشارها ونماءها، وتحصين الطلاب ذاتياً ضد المشكلات السلوكية ومحاولة التنبؤ بها في مراحلها الأولى والتعامل معها، وتقديم الرعاية العلاجية للطلاب ذوي المشكلات السلوكية، والتركيز على التطبيق العملي لأهداف ومفاهيم المواد الدراسية قولاً وعملاً للطالب، وتعميق روح التواصل والاحترام المتبادل وحسن التعامل بين المعلمين وطلابهم وتشجيع أساليب الحوار الهادف والتشاور البناء.
الأكثر قابلية للطلاب
أثبتت نتائج دراسات تربوية حديثة، فاعلية التربية الأخلاقية في غرس الأخلاق والقيم المثالية في نفوس الطلاب، وتنمية القيم والأخلاق الإيجابية لديهم، فضلاً عن أن التربية الأخلاقية غير المباشرة والموجهة، من خلال عدد من المناهج الدراسية والأنشطة التعليمية والعملية تكون أكثر قابلية لدى الطلاب، فينبغي تضمين التربية الأخلاقية في المناهج الدراسية في جميع مراحل التعليم بشكل تكاملي بأسلوبه الأفقي والرأسي، والاهتمام كذلك بتضمين الأنشطة التربوية والعلمية التي تهدف إلى إكساب الطلاب القيم الأخلاقية السامية، وتساعد في الحد من المشكلات والجرائم الأخلاقية التي يقعون فيها، وتزيد من استعدادهم للتعاون وتعميق احترام حقوق الآخرين في نفوسهم، مع مراعاة مستوى النمو الأخلاقي والبدني والنفسي للطلاب.
«دار البر»: محمد بن زايد يرسخ البعد الحضاري الإنساني للإمارات
أكدت جمعية «دار البر» الأهمية والقيمة الاستثنائية لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومبادرة ديوان ولي عهد أبوظبي، لدعم وتعزيز العملية التعليمية التربوية بمادة (التربية الأخلاقية) في المناهج والمقررات الدراسية، بالتعاون والتنسيق مع وزارة التربية والتعليم ومجلس أبوظبي للتعليم والمؤسسات ذات الصلة.
وأشادت الجمعية الخيرية، في بيان أصدرته بالمناسبة، بالمبادرة التعليمية التنموية والمجتمعية الجديدة، معتبرة أنها تعزز منظومة القيم لدى الشخصية الإماراتية، بصورة تنسجم مع قيمنا الدينية والوطنية والاجتماعية، وما توارثه الإماراتيون عن آبائهم وأجدادهم من قيم وتقاليد، ضاربة الجذور في أرض الوطن وفي عمق الزمن.
وقال خلفان خليفة المزروعي، رئيس مجلس إدارة «دار البر»: إن المبادرة والتوجيهات السامية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان تعكس الوجه المشرق للإمارات حضارياً واجتماعياً، والبعد الإنساني الأخلاقي لقيادتنا الحكيمة، وتؤكد أن دولة الإمارات وطن متكامل، وملاذ للإنسانية ولمنظومة القيم الحضارية والأخلاقية، ومأوى للعمل الخيري والإنساني، وليست مجرد اقتصاد متين وواعد ومكان للاستثمار ونقطة جذب للمشاريع الضخمة والاستثمارات النوعية والشاملة، وبؤرة تستقطب رجال الأعمال والباحثين عن الاستقرار المادي والرفاهية ورغد العيش.
وأشار عبد الله علي بن زايد، المدير التنفيذي للجمعية إلى أن صاحب السمو ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يقدم قوة دفع جديدة للعمل الوطني الإماراتي بتوجيهاته ومبادراته السابقة والمتواصلة، ويعطي «قيمة مضافة» إلى الشخصية الإماراتية وللوجه الحضاري للوطن.
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/24daf30e-e8cd-4b9a-b7d1-1d67e3c52f10#sthash.9azusxOf.dpuf